هل يمكن أن تحترف المحاسبة في يوم ما؟
دون الدخول في فلسفات لا فائدة منها دعنا نبحر في صفات المحاسب المحترف و الذي يقول عنه المدراء و العاملون: إنه محترف لتتبين معي صحة الإدعاء الذي قمت بطرحه للتو
أولاً: المحاسب المحترف معصوم عن الخطأ:
لعلك بعد قراءة هذا العنوان الفرعي بدأت تتهمني بالمبالغة و لكن هذه هي الحقيقة المحاسب المحترف معصوم عن الخطأ .. ولكن كيف ذلك و كل البشر يخطئون؟
عليك كمحاسب أن تقوم بمراجعة عملك بشكل دائم حتى إذا وجدت خطأً تقوم بتصحيحه على الفور دون أن يتنبه لذلك الخطأ أحد فالأخطاء واردة و محتملة جداً لكن لا أحد يتسامح مع أخطاء المحاسب على الإطلاق و خصوصاً أرباب العمل فهم ينظرون إلى الخطأ في الأرقام على أنه جريمة لا تغتفر و هامش التسامح لديهم يكاد يكون معدوماً...لست أظلم أرباب الأعمال بقولي هذا و لكن هذا الواقع الذي عرفته خلال خبرتي العملية لأن أي خطأ في الحسابات سينظر إليه رب العمل على أنه تضييع محتمل لماله وهذه مشكلة كبيرة، و بالتالي فأنت كمحاسب لا خيار أمامك سوى أن تكون معصوماً عن الخطأ...وليس ذلك بالأمر العسير إذ يكفي أن تقوم ببعض الخطوات لكي تصير في عداد المحاسبين عديمي الأخطاء:
بعد تسجيل الفاتورة أو السند أو أي وثيقة أخرى سواء على الدفتر أو على برنامج المحاسبة أو عندما تقوم بتحرير هذه الفاتورة أو المستند و قبل الحفظ قم بمراجعة الأرقام و الكتابات بنداً بنداً دونما استعجال حتى تتأكد من سلامة تسجيلاتك عندها قم بحفظ ذلك المستند.
اجعل لك عادة مراجعة كافة القيود و الفواتير التي قمت بتسجيلها آخر اليوم و كذلك جرد كل ما تم تسليمك إياه كعمل تقوم به و تأكد من إنجازك لكافة المهام الموكلة إليك.
كذلك قم بتدقيق سجلاتك و مستنداتك بشكل أسبوعي أيضاً بحثاً عن أخطاء و قم بإجراء المطابقات مع العملاء و الموردين و باقي الحسابات بشكل دوري.
إذا قمت بعمل الخطوات السابقة ستصبح عندها محاسباً معصوماً عن الخطأ لأنك ستصلح الخطأ قبل أن يخرج من عندك.
ثانياً: المحاسب المحترف لديه خبرة كبيرة في مجال المحاسبة:
ما هذا التناقض! لقد أخبرتنا في البداية أن الخضوع للكثير من الدورات التدريبية و العمل مع المحاسبين المحترفين و الحصول على شهادات محاسبية ليست هي عوامل الاحتراف في المحاسبة و الآن تخبرنا أن المحاسب المحترف يجب أن يكون لديه خبرة كبيرة في مجال المحاسبة!
في الواقع ليست الشهادات و التدريب هي من تصنع الخبرة بل مصارعة سوق العمل و الانخراط في المحاسبة الفعلية هي من تمنح الخبرة الحقيقية و ستجد في العمل أن جزءاً كبيراً مما قمت بدراسته أكاديمياً لا حاجة إليه بالإضافة إلى جزء كبير آخر في العمل لم تتعلمه أصلاً في الجامعة و هذا لا يعني أن تبتعد على الدورات و التدريب في مجال المحاسبة بل يعني أن لا تعتمد عليها اعتماداً كلياً فتقضي كامل وقتك و عمرك في الجانب النظري من هذا العلم و صدقني مهما حصلت على شهادات سيظل هنالك المزيد من التعليم لتحصل عليه.
إذاً ما العمل؟
الخيار الأمثل في هذه الحالة و حتى تصل إلى الخبرة الكبيرة في مجال المحاسبة هي أن تجمع بين المعرفة النظرية و الخبرة العملية في آن واحد....كيف ذلك؟
أثناء الدراسة أو خلال فترة الدورة التدريبية عليك بالعمل في مهنة المحاسبة جنباً إلى جنب و هذه هي أفضل خلطة للحصول على خبرة عملية سريعة كبيرة
عليك أيضاً أن تظهر بمظهر الخبير في المجال الواثق من نفسه و ذلك بملء سيرتك الذاتية بكل ما يظهرك بمظهر الخبير في المحاسبة و أيضاً استمر في البحث و التعلم و استمر في العمل في هذا المجال و لا تضع وقتك بالعمل في مجال آخر إذا أردت فعلاً أن تصبح خبيراً مطلوباً في سوق العمل
ثالثاً: لا تتسامح مع الأخطاء حتى لو بدرت من رب العمل نفسه:
قد ينسى مسؤول المشتريات تسليمك بعض الفواتير أو قد يقوم بالشراء دون الحصول على فاتورة أصلاً، وقد يسلمك أمين الصندوق كشفاً بالمقبوضات و المدفوعات مع إيصالات و ووثائق ناقصة أو أن بعض الإيصالات بلا تاريخ أو شيء من هذا القبيل، هنا إحذر من أن تكون الصديق الوفي الذي يُقيل عثرة صديقه و يسامحه و يقبل اعتذاره في كل مرة!
إذا كنت كذلك فجهّز ورقة استقالتك بنفسك قبل أن يقيلك صاحب العمل!
لا تقبل بأداء دون الجيد و الممتاز، لا تتسامح مع الأخطاء مهما كانت صغيرة، نعم قد تسامح مرة أو مرتين على أكبر تقدير مع رفع تقرير إلى رب العمل في حال كان الخطأ يضر بالعمل و إياك أن تتستر على مُخطئ لأنك في هذه الحالة تتبنى الخطأ و تخاطر بوظيفتك و سمعتك المهنية..
بالطبع هذا يختلف عن زميل في العمل يريد التعلم منك و تصحيح أخطائه و تصويبه وأنت قبلك بذلك كما يختلف عن الأخطاء القاهرة الطارئة و التي لم تكن نتيجة إهمال أو تقصير.
نعم هذه فهمناها أن لا تتسامح مع أخطاء الموظفين و الزملاء فما معنى أن لا تتسامح مع أخطاء رب العمل؟ أليس هذا يعني تخليك عن عملك؟
لكل طرف من الفريقين أسلوباً للتعامل مع أخطائه فأما أخطاء رب العمل فلا تتركها تمضي بل عليك بملاحقة رب العمل حتى يقوم بتصحيحها و تذكيره بذلك حتى يكتمل التصحيح و يختفي الخطأ.
فمثلاً لنفرض أن صاحب العمل أخذ مسحوبات لاستعماله الخاص دون أن يوقع على وثيقة بذلك فما عليك إلا أن تطلب منه الوثيقة و تستمر بالمطالبة في كل فرصة حتى يقوم بتحريرها هذا ان كنت أنت المسؤول عن تحرير مثل هذه الوثائق أما إن كانت مسئولية شخص آخر فالأمر يختلف، إذا سحب رب العمل مبلغاً من الصندوق عبر أمين الصندوق و كان مستعجلاً فلم يوقع على إيصال عندها ستكون ملاحقة أمين الصندوق الذي بدوره سيلاحق رب العمل هي العمل الأنسب و لدى عجز أمين الصندوق عن الزام صاحب العمل بالنظام عندها يمكنك التدخل و ملاحقة رب العمل في ذلك..
إلزام الجميع بالنظام المحاسبي هو أمر يقع على عاتقك و يجب عليك متابعته بحزم
رابعاً: الأناقة شرط أساسي:
نعلم جميعاً أن الانطباع الأول يدوم طويلاً و أن الناس تقيّم بعضها من مظهره الخارجي فاحذر أن لا تضع هذه النقطة في عين الاعتبار، فمقدار الاحترام الذي يوليه الناس للمحاسب يعتمد كثيراً على مظهره.
إن كانت صورة المحاسب السمين صاحب اللباس الرثّ و الشعر المنتشر و الذي يضع القلم على أذنه هي الصورة التي تجول في ذهنك فاعلم أنها صورة متسولٍ مثقف و ليست صورة محاسب
نعم الفرق بين المتسول و رجل الأعمال ببساطة هو المظهر فمن أي الفريقين تحب أن تكون؟ هذا يقرره المظهر و لا شيء آخر باستثناء الأخلاق طبعاً
خامساً: أضف لمستك الخاصة على كل ما حولك:
يزودك برنامج المحاسبة بتصاميم متنوعة للفواتير و التقارير و بعض البرامج تتيح إمكانية التعديل فليكن لك تصاميمك الخاصة التي تميزك عن غيرك من المحاسبين..اختر أفضل مافي برنامج المحاسبة من تصاميم و إذا لم تكن تعمل على برنامج محاسبة فقم بتصميم نمط خاص بك بواسطة برامج EXCEL أو WORD .
لا تكن مثل بعض المحاسبين الذين يرسلون التقارير لرب العمل أو للأطراف الخارجية و في ذيل التقرير مكتوب مثل هذه العبارة:
"تم تصميم التقرير بواسطة برنامج كذا للمحاسبة" فهذه العبارة دليل على فشل المحاسب و عدم درايته بالعمل على البرنامج و خلال عملي بالمحاسبة استلمت الكثير من الوثائق التي لا زال شعار برنامج المحاسبة موجوداً عليها!
استخدم الألوان في تصميم الوثائق الخاصة بك و اظهر بمظهر المحترف المميز عن الآخرين و المنسجم مع عمله
سادساً: ليكن شعارك "خير الكلام ما قلّ ودلّ":
كثرة الكلام تعني كثرة الأخطاء و سرعة الإجابة تعني الوقوع في الخطأ و المحاسب الناجح لا يرتجل الكثير من الكلام و عندما يتكلم يكون كلامه مؤيداً بالأدلة و الوثائق.
العملاء كثيرون فلا داعي لأن تخمن رصيد كل واحد منهم بل استعن ببرامجك المحاسبية و أعط أرقاماً دقيقة، و لا تعطي تقديراً للأرباح أو تتكلم جزافاً عن السيولة و التدفقات النقدية فهذا سيوقعك في الخطأ حتماً و عندها لن تصبح "معصوماً عن الخطأ" في نظر الزملاء و رب العمل.
سابعاً: اسأل كثيراً:
لا يتناقض هذا البند مع البند السابق نهائياً فكثرة السؤال شيء و كثرة الكلام شيءٌ آخر..ولكن لماذا يجب أن نسأل؟
الكثير من الشركات المتوسطة و الصغيرة و بعض الشركات الكبيرة لا تكون لها سياسات واضحة فيما يخص المحاسبة و بالتالي فسؤال رب العمل أو الطاقم الإداري حسب اختصاصهم هو أفضل حل للوصول إلى الإجراءات الأمثل.
عادةً ما يقرر المدير المالي مقدار الحسومات و الرواتب و الديون المشكوك بها و سياسات الائتمان و الاقتراض و غيرها و لكن من أين يأتي المدير المالي بالسياسات التي يقوم على ضوئها باتخاذ تلك القرارات؟ و ماذا لو كنت أنت المدير المدير المالي؟ بالطبع يعرف المدير المالي هذه السياسات من خلال التحاور حولها مع أرباب العمل و المدراء حسب اختصاصاتهم.
لكن لا أقصد هنا كثرة السؤال التي قد تفهم على أنها جهل لا و لكن أقصد كثرة السؤال التي تنم عن اهتمام و دقة و متابعة للعمل و تنحصر الأسئلة في فهم ما يريده رب العمل و لا علاقة لها بعمل المحاسب لا من قريب و لا من بعيد فمن صفات المحاسب المحترف أنه لا يسمح لأحد أن يتدخل في عمله.