الشركات العائلية الناجحة حدودها الفضاء
رسم مستقبل طموح للشركات العائلية أشبه بالتخطيط لخوض مغامرة في الفضاء
تعد شركة "باتا للأحذية" أكبر شركة حول العالم مختصة بالأحذية منذ نشأتها في 1894. التحق بعض أفراد العائلة مؤخراً بأحد برامج إنسياد التي تناقش قضايا الشركات العائلية "تحدي الشركات العائلية". وعند انتهائهم من أحد التدريبات حول استكشاف رؤية وقيم العائلة، تسآل أحد أفراد الجيل الثاني "لماذا لا يوجد متجر أحذية على القمر".
طموحه كان منطقيًا. فعقب النجاح الكبير للشركة، ما هي حدود عملاق الأحذية الأشهر في العالم غير الفضاء؟ في حين يعد ذلك جرأة زائدة، إلا أنه يعلق في أذهاننا كاستعارة قوية لطريقة تفكير الشركات العائلية الناجحة عند وضعها لخططها المستقبلية.
ندرك كلما تعمقنا بشكل أكبر بطريقة إدارة الشركات العائلية، أن الخطط الطويلة الأمد للشركات تشبه إلى حد ما التخطيط إلى رحلة عبر الفضاء. فهي تتطلب القدرة على التواصل بشكل فعال، ومشاركة القيم والرؤية، والتخطيط السليم، واستثمارات كبيرة في المواهب، والقوة المادية، والمساءلة. لا تستطيع أي شركة عائلية غوض الفضاء دون التزام أفرادها بهدف مشترك يجمعهم ويضعهم على نفس المركبة.
تتفادى العديد من الشركات العائلية عملية تنظيم الأمور المهمة في الأسرة، وبالتالي تبقى عند منصة الإطلاق. وحتى عندما تتحضر للإنطلاق، ستكون الرحلة مضطربة من دون وجود خطة مناسبة للعائلة، وستفقد مسارها، وفي أسواء الحالات ستتحطم مركبتهم. أكثر الأسباب شيوعاً لذلك، هو فشل العائلة بوضع خطة لها عقب وفاة المؤسس. فغالباً ما يتصارع الأخوة على استلام زمام القيادة، أو يتقاسمون الشركة العائلية أو يدفعونها نحو الهاوية خلال محاولتهم للسيطرة.
تعتقد العديد من الشركات العائلية أن بمقدورها الحفاظ على الشركة من خلال تفاديها لمواضيع شائكة مثل الحوكمة والملكية والتعاقب على إدارة الشركة. لكننا نرى العكس على أرض الواقع. شاهدنا سقوط العديد من الشركات العائلية ممن تمتلك خطة واستراتيجية جيدة، بسبب تهميشها للأمور العائلية وعدم التخطيط لها.
"الشركات العائلية تصل القمر"
لهذا السبب شرعنا بكتابة كتاب متخصص بمساعدة الشركات العائلية في الوصول لهدفها
يتوج كتاب الشركات العائلية تصل القمر “A Family Business on the Moon” عقوداً من الأبحاث والعمل مع العديد من الشركات العائلية. الكتاب مبني على أطر مجربة ومختبرة تساعد الشركات العائلية على استشراف مستقبلها.
يقدم الكتاب شرحاً مفصلاً لكيفية تطبيق الشركات العائلية لخطط تتماشى فيها متطلبات العمل مع العائلة. فإطار العمل المؤلف من ثمانية خطوات، يساعد الشركات في الإجابة على الأسئلة الحاسمة حول مستقبل الشركة.
تتعامل الشركات العائلية الناجحة مع بعض الأسئلة بشكل مباشر:
القيم: ما هي الأمور المهمة بالنسبة للعائلة؟ تتشارك الشركات العائلية الكبيرة بعض القيم التي تقود قرارت الشركة والعائلة.
الرؤيا: ما هو المستقبل الذي تطمح إليه في ظل تلك القيم؟ الالتزام برؤية الشركة كعائلة، يساعد على وضع أهداف واستراتيجيات عقلانية وقابلة للتحقيق.
الاستراتيجية ( استراتيجية الشركة والعائلة): كيف نستطيع تحقيق رؤى الشركة والعائلة؟ تصبح الأمور أكثر شخصية عندما تتشارك العائلة عالم الأعمال. لذا يعتبر ضم استراتيجية الشركة لاستراتيجية العائلة من الأمور الحاسمة. على سبيل المثال، إذا ما كانت رؤية العائلة هي الحفاظ على ملكية الشركة على المدى الطويل، يجب أن تنطوي استراتيجية العائلة على مشاركة أفراد مؤهلين في نشاطات الشركة وتخطيط فعال للجيل التالي.
الاستثمار (رأس المال البشري ورأس المال): ما هي الموارد البشرية والمالية التي سنساهم بها؟ تشكل القرارات المتعلقة بالاستثمارات المالية تحدياً حتى بالنسبة للعائلات المقتدرة والفاعلة. تنطوي مثل تلك القرارات على المطالب المتعارضة والآثار المترتبة عنها على إرث العائلة. فتحديد من سيعمل في الشركة أو لا، والفرص المتاحة أمام من يرغبون في التنحي في منتصف الطريق، تعتبر من القرارات الحاسمة التي يجب النظر فيها.
الحوكمة (حوكمة العائلة والشركة): كيف نقوم باتخاذ قرارت ونتحمل المسؤولية المترتبة عنها؟ تحتاج الشركات العائلية إلى مجالس إدارة غالبية أعضاءها من خارج العائلة. فأكثر الشركات العائلية مهنية هي تلك التي تضم مجلس إدارة مستقل من خارج العائلة والقطاع. فذلك يضمن المساءلة ويتوافق مع مصالح العائلة والشركة. تأتي حوكمة العائلة على نفس الدرجة من حيث الأهمية لضمان هذا التوافق. تساعد الاجتماعات المنتظمة لأعضاء العائلة أو مجلس العائلة على ترسيخ القرارات المهمة. فاتفاق العائلة على سياسات التوظيف من شأنه تخفيف الصراعات.
يعطي الكتاب أدوات تساعد على اتباع تلك الخطوات، مثل مجموعة من القيم والنشاطات الترفيهية في كل خطوة. ولكن توافق أهداف العائلة مع العمل سيكون له الدور الأكبر. فعندما تقرر العائلة مجتمعة الجلوس والتعهد بالعمل سوياً لإيجاد إجابات على هذه الأسئلة التي بدورها ستقود إلى تحديد هدف مشترك، ذلك هو حجر الأساس لتخطيط الأعمال ووضع استراتيجية الشركات العائلية، والذي يمكن أن يبدأ من خلال استراتيجية التحليل الرباعي SWOT، وتقييم مدى التزام العائلة. في نهاية المطاف، لن يتم تنفيذ أي من تلك الخطوات من دون التواصل المبني على الاحترام، والاستماع للآخر، وضمان عدم تجاهل أي طرف (حتى في حال عدم رغبة الجميع بالمشاركة)، ووضع الشخص المناسب بالمكان المناسب، والاتفاق على كيفية استثمار رأس مال العائلة، والأهم من ذلك رأس المال البشري.
لا يمكن إنجاء أي من تلك الخطوات خلال اجتماع مدته ساعة، ولكن يجب النظر فيها مطولاً وليس بمعزل عن بعضها. فوضع خطة للرحلة إلى القمر ليس بالأمر السهل ولا يجب أن يكون كذلك. تنطبق المقاربة مع سفينة الفضاء على الجيل القادم أيضاً. قمنا بمناقشة أفكار مثل التخطيط للرحلة، والانطلاق للفضاء، كون رواد الأعمال في الشركات العائلية هم المستكشفون، وينطلقون لأماكن لم يبلغها أحد قبل. ينطبق ذلك على الجيل القادم كما المؤسسسين. فالشركات العائلية الناجحة هي التي تعد كل جيل لخوض رحلته للحفاظ على إرث العائلة.
شركات ناجحة عالمياً تستند إلى القيم
لشرح أهمية قيم العائلة والاستراتيجية كعامل حاسم لفتح الآفاق أمام الشركات العائلية، سنسرد قصة "ماس هولدينغز"، شركة الملابس السيرلانكية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات.
تأسست الشركة على يد ثلاثة أخوة: ماهيش، وشاراد، وآجاي خلال الحرب الأهلية في سيرلانكا. أرادوا أن يتحدوا حينها النموذج التقليدي الاستغلالي الذي تتبعه غالبية شركات تصنيع الملابس. أرادوا حينها تمكين الموظفين، وكانت القوة النسائية في الشركة تمثل 85% من مجموع القوة العاملة.
تتمحور القيم التي حددوها حينذاك على " الاتضاع والثقة والاحترام المتبادل". وارتأوا أن الموظفين الذين يحصلون على فرص للتدريب ، ويتقاضون أجور عادلة ويتلقون الاحترام الذي يستحقوه، من شأنه أن يؤدي إلى قوة عاملة راضية ومنتجة بشكل أكبر. وأثبتوا أنهم على حق. يعمل في الشركة اليوم 94.000 موظف، وتورد الشركة لبعض أكبر العلامات التجارية في عالم الأزياء مثل، نايكي، فيكتوريا سيكرت، لولو ليمون، وماركس أند سبنسر.
شارك آجاي القصة مع كوماري التي قام بتوظيفها وكانت تعمل بالخياطة. لم يسبق لكوماري أن رأت آلة خياطة قبل عملها في "ماس". ولكن لم تمض فترة طويلة ليتم ترقيتها إلى قائد فريق ومن ثم أصبحت المشرفة على الفريق. شاركت في دورات تعليمية في تكنولوجيا المعلومات واللغة الإنجليزية في الشركة وتم إرسالها لاحقاً للعمل في مركز تطوير وتصميم المنتجات الجديدة التابع للشركة في نيوجيرسي. ولم يسبق لها وأن غادرت مسقط رأسها من قبل.
ساعد نموذج العمل الذي تبنته "ماس" على نجاح الشركة، وواصلت الشركة اتخاذ قرارات لمساعدة الأشخاص الأقل حظاً. عندما رغب العملاء بتوسع الشركة، اختاروا إنشاء مصانع في شمال سريلانكا (المنطقة التي كان يسيطر عليها سابقًا متمردو نمور التاميل) في ما وصفه أجاي "بالقرار الأخلاقي والمالي".
راندل كارلوك، أستاذ كرسي من برجمانز لويست في القيادة الريادية بكلية انسياد، وهو أول مدير أكاديمي في مركز "وينديل" للشركات العائلية، فضلاً عن كونه مدير برنامج تحديات المؤسسات العائلية الخاص بتطوير التنفيذيين في الشركات العائلية. له عدة مؤلفات حول الشركات العائلية.