عندما تقوم بالتخطيط لشيء ما كالسفر إلى دولة معيّنة مثلاً، فإنَّ أول خطوة تخطر لك أن تقوم بتقدير تكلفة هذه الرحلة بالمجمل، فتقوم بحساب تذاكر السفر وسعر إيجار الشقة الفندقيّة وتقدير المصروفات بداخل هذا البلد وعند جمع هذه المبالغ سيصبح لديك رقم معين يتوقع أن يكلفك كامل الرحلة أو حتى قد تعمل على تقليل هذا المبلغ وترتيب أولوياتك في السفر والتنقل واختيارك للفندق الذي ستقيم به بناءً على المبلغ المقدّر، وعند انتهائك من الرحلة وحسابك للتكلفة الفعليّة، فإن النتيجة قد تكون مساويةً أو أقل أو أكثر للمبلغ المقدّر، وهذه فكرة بسيطة لتوضيح الفرق بين الموازنة والميزانية بحيث تعبّر الموازنة عن المبالغ المتوقعة. أما الميزانية فتعبّر عن المبالغ الفعليّة،[١] كما أنَّ هنالك الكثير من الفروقات التي تميز بين الميزانيّة والموزانة، وسيتم تفصيل ذلك بشكل موسع في هذا المقال.
ما الفرق بين الموازنة والميزانية؟
كما ذكرنا في مقدمة المقال فهنالك العديد من الفروق بين الموازنة والميزانيّة، والتي سيتم بيان أهمها على النحو الآتي:
المفهوم
تعبّر الموازنة عن خطة ماليّة تقديريّة تُطرح بداية الفترة الماليّة وتُوضح الإيرادات التي يُتوقع الحصول عليها خلال فترة زمنيّة محددة وتكون سنةً على الأغلب، ويقابلها النفقات التي يحتمل تكبدها خلال هذه السنة وتوضح الفائض أو العجز بين الإيرادات والنفقات لهذه الفترة، وأمّا الميزانيّة فهي عملية غير تقديريّة تبنى على البيانات الفعليّة الحقيقيّة لقياس الوضع الماليّ للشركة، ويتم تطبيقها نهاية الفترة الماليّة، وتوضح هذه العملية مجموع أصول الشركة والالتزامات وحقوق الملكيّة.
الهدف
تهدف الموازنة إلى وضع خطة استراتيجيّة لتحدد سير عمل المؤسسة لفترة زمنية محددة ممكن أن تكون لسنوات كثيرة، وفي العادة يتم وضعها لمدة سنة ماليّة، ويتم وضعها وتقديرها بناءً على الميزانيات السابقة، ويتم إعدادها أيضاً لتحقق غاية عظيمة وهي محاولة التعرّف على العقبات القادمة من خلال دراسة الإيرادات والنفقات المتوقع تكبدها لفترة قادمة ومحاولة السيطرة عليها لتمكين المؤسسة من التصدّي لأي عقبات دون إحداث خلل في النظام، كما أنَّه يتم وضعها لتعتبر معياراً يتم الاستناد عليه في أغلب الأوقات لتصحيح مسار العمل إذا تم الخروج عنه فهي تعد معياراً نهائيًا تُقاس به النتائج الفعليّة ويتم تفسيرها مقارنةً به، وأمّا الميزانية فتهدف إلى تزويد أصحاب المصلحة بالبيانات الماليّة الفعليّة للمؤسسة، ويتم تفصيل ممتلكات الشركة والتزاماتها وحقوق ملكيّتها، إضافةً إلى الدخل والمبيعات والتدفقات النقديّة بها، ويتم استخدام هذه البيانات والمقارنة بينها وبين الموازنة الموضوعة مسبقًا ومعالجة نقاط الضعف وتطوير نقاط القوة بها، كما أنَّها تساعد في وضع الموازنة للفترة القادمة.
الإلزامية
يعد مصطلح الموازنة أكثر شيوعاً في القطاع العام، فهنالك إلزاميّة بإعدادها من قِبل الحكومة للدولة وكذلك الأمر بالنسبة للتنفيذ فهي ملزمة بأن تحدد سير العمل بناءً على هذه الخطة الماليّة الاستراتيجيّة، وفي بعض الأحيان كالظروف الطارئة أو في ظروف أخرى يمكن تعديلها بناءً على الظروف في ذلك الوقت ولكن يتم السير وفق هذه الخطة وعند انتهاء السنة الماليّة يتم التحقيق والاستجواب للحكومة إذا لم تسر على هذه الخطة المقدّمة والموافق عليها، في حين أنَّ القطاع الخاص غير ملزم بوضع الموازنة فهي أمر اختياريّ ولكنَّها ضروريّة؛ حيث تقوم الكثير من الشركات الكبيرة بإعدادها من خلال قسم خاص للتخطيط، وأمَّا إعداد الميزانية فهي أمر إلزاميّ للقطاع الحكوميّ ولقسم كبير من القطاع الخاص ويُستثنى منه بعض المشاريع الصغيرة.
آلية الإعداد
إعداد الموازنة
يتم إعداد الموازنة على عدّة مراحل:
جمع وحصر كل البيانات والمعلومات المطلوبة: وذلك لتحديد الإيرادات التي تحتاجها الحكومة لتقوم بتنفيذ عملياتها وتحقيق أهدافها لفترة زمنيّة محددة، ومن ثمَّ يتم عمل تقديرات للمصروفات والنفقات التي يتوقع تكبدها خلال هذه الفترة والتحقق من صحة تقدير هذه النفقات على عدّة مستويات، ثم يتم جمع هذه المعلومات، ويتم توحيدها بقائمة بشكل مناسب ينقسم لشقين الأول الإيرادات والآخر النفقات، ويتم إعدادها قبل الشروع بالفترة الزمنيّة أي أنَّ هذه الموازنة تغطي العام اللاحق للإعداد.
إقرار الموازنة: عند الموافقة على هذه الخطة الماليّة من قِبل السلطات الحكوميّة يتم طرحها على مجلس الشعب في الدول الديمقراطية للتصويت عليها لاعتمادها أم لا، وتخضع لفحص دقيق ودراسة عميقة من قبل أعضاء البرلمانات، فيقومون بطرح الأسئلة وتقديم الاستجوابات للحكومة من أجل الحصول على توضيح حول الأرقام والمبالغ التي سيتم تخصيصها لكل بند من بنود الموازنة، وعند الموافقة عليها بعد التصويت تشرع الحكومة بالعمل بناءً على هذه الموازنة.
تنفيذ الموازنة: وعند البدء في التنفيذ يتم منح النفقات التي تمَّ تقديرها وتخصيصها لكل قطاع أو لكل مؤسسة لهذه الجهات بشكل كامل أو بشكل تدريجيّ لتقع تحت تصرّفها بشكل مراقب عليه وفقًا لمعدل الإنفاق المتوقع وبناءً على احتياجات المشاريع المحددة وحسب الأولويات التي يتم ترتيبها في الإنفاق من قِبل الحكومة، وبنفس الوقت تحصل الحكومة على الإيرادات التي توقعت الحصول عليها من الجهات التي ورد ذكرها في الموازنة، كما يتم فيها إعداد تقارير دوريّة لقياس الفرق بين الواقع وبين الخطة الماليّة، لتحديد الاختلاف بشكل مبكر وتعديل الموازنة بموافقة مجلس الشعب إذا تطلّب الأمر ذلك لتكييف الموازنة مع التغيّرات في الوضع الاقتصاديّ، ويتم تنفيذها على طول الفترة الماليّة التي تم تحديدها في هذه الخطة سواءً أكانت سنة أم أقل أم أكثر.
مرحلة مراقبة الأداء وتقديم التقارير: وهي آخر مرحلة من مراحل إعداد الموازنة، ويتم فيها تجميع التقارير التي تمَّ تقديمها على طول الفترة الماليّة من قِبل الحكومة لإحصاء الإيرادات والنفقات التي تمَّ تكبدها خلال هذه الفترة، والتي وُضعت على شكل ميزانيّة تُوضح الأرقام الفعليّة خلال هذه الفترة، وبعدها يتم تدقيق هذه البيانات التي ورد ذكرها من قِبل سلطة عامة مستقلة لا تخضع لأيّ ضغوطات لضمان إعداد التقارير بموضوعيّة، ومن ثمَّ يقوم البرلمانيون بتقييم إدارة الأموال العامة للدولة بناءً على هذه التقارير ومقارنتها بالميزانيّة وطرح الاستجوابات وفتح التحقيقات إذا كان هنالك خلل ما أو فجوة كبيرة بين الموازنة والميزانيّة.
إعداد الميزانية
وأمَّا بالنسبة لإعداد الميزانيّة، فيتم على النحو الآتي:
تحديد تاريخ وفترة التقرير: تهدف الميزانيّة العموميّة إلى توضيح وبيان إجمالي الأصول للمؤسسة والتزاماتها وحقوق المساهمين فيها في تاريخ محدد يشار إليه باسم تاريخ إعداد التقارير في العادة، ويكون تاريخ الميزانيّة هو تاريخ آخر يوم لفترة التقرير.
تحديد الأصول للمؤسسة: وبعد تحديد تاريخ وفترة التقرير يتم حساب الأصول اعتبارًا من ذلك التاريخ وتقسيمها كأصول متداولة أم غير متداولة وبيان كل بند وكل أصل وقيمته.
تحديد التزامات المؤسسة: ويتم تحديد الالتزامات وتصنيفها إلى التزامات متداولة وغير متداولة بنفس الطريقة التي تمَّ فيها تحديد الأصول كما يتم بيان قيمة كل التزام فيها.
حساب حقوق الملكية: ويكون ذلك ببيان ما إذا كانت الميزانيّة معدةً لشركة أو مؤسسة مملوكة ملكيّةً خاصةً لمالك واحد فقط؛ ففي حال كانت مملوكةً لمالك واحد ستكون حقوق المساهمين واضحةً جدًا، ولكن إذا كانت مملوكةً لعدّة أشخاص أو ملكيّة عامة، فسيتم التفصيل بها بشكل أكبر، وسيكون إعدادها بشكل معقد أكثر اعتمادًا على أنواع الأسهم التي تمَّ طرحها من قِبل هذه المؤسسة.
المقارنة: ويتم وضع الأصول والالتزامات وحقوق الملكيّة في قائمة واحدة متوازنة تكون الأصول في جهة مختلفة عن الالتزامات وحقوق الملكيّة.
مقارنات أخرى بين الموازنة والميزانية
وفيما يأتي بعض من المقارنات الأخرى:
تعد الميزانيّة واقعية أكثر من الموازنة؛ لأنَّها تبنى على بيانات وأرقام فعليّة يتم احتسابها عن طريق التقارير المقدّمة والجرد الفعليّ، في حين أنَّ الموازنة هي عبارة عن تنبؤات وتوقعات تمَّ تقديمها لفترة مقدّمة، وتحتمل الصواب وتحتمل الخطأ، ناهيك عن احتماليّة ظهور حالة طارئة للاقتصاد لم تظهر سابقاً؛ فلذلك لا يمكن التنبؤ بها.
تعد الموازنة أداة تخطيط استراتيجيّ يتم وضعه لتسيير العمل للمؤسسة بناءً على هذه الخطة؛ فلذلك يتمُّ وضعها في البداية للفترة الماليّة أي قبل البدء بالعمل، بينما يتم إعداد الميزانيّة لأغراض ماليّة محاسبيّة توضح الوضع الماليّ للمؤسسة، وتوضح سير العمل للمؤسسة؛ ولهذا السبب يتمُّ وضعها في نهاية الفترة الماليّة ولمقارنتها بالخطة الماليّة التي تمَّ وضعها في بداية المدة لمعرفة إذا ما تمَّ السير بناءً على الموازنة الموضوعة مسبقاً أم لا.