دور السياسة النقدية في معالجة التضخم
تُعدّ السياسة النقدية هي الوسيلة التي يتحكّم بواسطتها البنك المركزي بكميّة العملة النقدية المعروضة في الأسواق، وبالتالي تحديد المستوى العام للأسعار الذي يُعتبر مؤشراً على وجود تضخّم من عدمه، وللسياسة النقدية أدوات يستخدمها البنك المركزي للحد من ظاهرة التضخم، وهي كما يأتي:
عمليات السوق المفتوح
يمكن تعريفها بأنّها العمليات التي يجريها السوق المركزي من بيع وشراء الأوراق المالية الحكومية أو ما يُعرف بالسندات، وهذه الأداة من أهمّ الأدوات التي تؤثّر في كمية المعروض من العملة النقدية، ومعدل أسعار الفائدة.
يُواجه التضخم يتبنّى البنك المركزي سياسات لتخفيض احتياطي البنوك التجارية، للتقليل من المعروض من العملة النقدية في الأسواق، فيلجأ إلى بيع السندات، حيث إنّ شراء السندات من قبل البنوك التجارية يقلّل من كمية النقد لديها، ما يصعّب عليها تقديم القروض المالية للشركات والأفراد، وبالتالي تقليل نسبة المعروض من النقد في الأسواق.
يشير انخفاض نسبة النقد في الأسواق إلى عدم قدرة الأفراد والشركات على الشراء، وبالتالي يقلّ الطلب على السلع والمنتجات بسبب هذه السياسات، ووفقًا لقانون العرض والطلب فإن انخفاض المعروض من النقد يؤدي إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات فتخفض أسعارها، وبالتالي الانخفاض الكلي للمستوى العام للأسعار والحد من التضخم.
معدل الخصم
يشير معدل الخصم إلى معدل سعر الفائدة التي يفرضها البنك المركزي على القروض التي يقدمها للبنوك التجارية، ولمواجهة التضخم يزيد البنك المركزي سعر الفائدة على القروض.
زيادة سعر الفائدة لا يشجع البنوك التجارية على الاقتراض من البنك المركزي، وهي بدورها ترفع سعر الفائدة على القروض التي تقدمها للشركات والأفراد، ما يعني عدم إقبالهم على الاقتراض.
عدم اقتراض الأفراد والشركات من البنوك التجارية يقلل من نسبة المعروض من النقد في الأسواق، ويلجأ الأفراد للادخار بدلاً من الإنفاق، والشركات تقلل من استثماراتها، ما يعني قلة الطلب على السلع والخدمات، ونتيجة لذلك تنخفض أسعارها، ما يعني انخفاض المستوى العام للأسعار والحد من التضخم.
التغيرات في نسب الاحتياطي
يُلزِم البنك المركزي جميع البنوك التجارية بالاحتفاظ بنسبة محددة من إجمالي ودائعها لدى البنك المركزي، ويتحكّم هذا الأخير بهذه النسبة حسب الوضع الاقتصادي للبلاد، فعندما تزيد نسبة التضخّم يزيد البنك المركزي النسبة التي يجب على البنوك التجارية إيداعها لديه، ما يؤثّر على انخفاض المعروض من النقد في الأسواق.
فزيادة نسبة الاحتياطي تقلل السيولة النقدية لدى البنوك التجارية، ما يعني انخفاض قدرتها على تقديم القروض للشركات والأفراد، وهذا يؤثّر على إمكانية الشراء، وبالتالي تقليل الطلب على السلع والمنتجات ما يؤثر على انخفاض أسعارها، وبالتالي انخفاض المستوى العام للأسعار، والحد من التضخم.
الآثار السلبية للتضخم
تسعى جميع الدول لخفض نسبة التضخم في حدودها الدنيا، لما له من آثار سلبية على اقتصادها، وفيما يلي أبرزها:
انخفاض الصادرات
يُسبّب التضخم ارتفاعاً عامّا في مستوى الأسعار، وهذا بدوره يؤثّر على قدرة الشركات في شراء المواد اللامة للعملية الإنتاجية، ما يعني رفع أسعار منتجاتها لتحقيق الربح، وهذا بدوره لا يجذب الدول على شراء هذه المنتجات، وبالتالي تلجأ الشركات لتقليل حجم إنتاجها، وتسريح العمال، وبالتالي زيادة البطالة.
سوء الاستثمار
دفع التضخم الكثيرين إلى استثمار أموالهم في الأصول الثابتة الأقل إنتاجية للحفاظ على نقودهم، مثل الأراضي، والمنازل، والمعادن الثمينة مثل الذهب والفضة، وهذا يحرم السوق من تداول العملة النقدية، وانخفاض تدفق المال إليه، وقلة الاستثمار في المشاريع المنتجة محفوف بالكثير من المخاطر الاقتصادية مثل البطالة.
انخفاض كفاءة الإنفاق الحكومي
فبدلاً من تنفق الحكومة الأموال على المشاريع الاستثمارية المنتجة التي تزيد من توفر فرص العمل وبالتالي زيادة النقد في الأسواق، تضطر إلى تقليص نفقاتها، وتعويض العجز في إيراداتها من خلال زيادة الضرائب.
زيادة الضرائب
تؤدي زيادة الضرائب مع ثبات القوة الشرائية إلى اضطرار المستثمرين زيادة أسعار السلع والخدمات، ما يعني زيادة معدلات التضخم، وكأنّها حلقة مفرغة.
انخفاض المدخرات في البنوك التجارية
تمنح المدخرات البنوك التجارية سيولة نقدية لتمويل مشاريعها الاستثمارية، ولكن نتيجة للتضخم وارتفاع أسعار السلع، يضطر الودعون لسحب مدخراتهم لشراء السلع والخدمات، وبالتالي انخفاض قدرة البنوك على تمويل المشاريع الاستثمارية المنتجة، وانخفاض قدرتها على تقديم القروض، وهذا بدوه يبطئ عجلة النمو الاقتصادي.
ارتفاع الأسعار
يعدّ ارتفاع الأسعار من الآثار السلبية للتضخم السلع والخدمات الضرورية، مثل الخدمات الطبية، وأسعار الأدوية، وأسعار الإيجارات، مقابل ثبات الدخل، ما يزيد من كاهل الأعباء الاقتصادية عليهم، وهذا يُدخل الدولة في حالة من الركود والكساد الاقتصادي يؤثّر سلبًا على نموها الاقتصادي.